Guest Edited Fiction

Nocturnal Games

by Muhammad El-Hajj
Translated from Arabic by Yasmine Zohdi

حشائش خضراء

_هي الدورة خلصت ولا لسة؟

لم يكن مدفوعاً للسؤال بصفة ملحة. أو لنقل أن دافعه لم يكن تحديداً استجلاء ما سأل عنه حقيقةً. كان فقط يرغب في تسجيل نقطة. مؤخراً تحول زواجهما إلى سلسلة مستمرة من تسجيل النقاط والأمر سهل الحساب: طلبت أن تتواقعا وقد بدأ النوم في طرق جفونك فاعتذرت به، حسبت عليك نقطة. حاولت أن تقاربها بينما هي منشغلة في إعداد تقرير انتاجها الربع سنوي، حسبت عليها نقطة. في كل مرة يفشل فيها أحدهما في إظهار مقدار رغبته في ممارسة الجنس في أي لحظة، بأي عذر كان، تحتسب نقطة للآخر.

لم تكن اللعبة تعكس الرغبة في الجنس بقدر ما كانت تمثل رصيداً لاعتذارات لاحقة. أصبحت ملاحقة النقاط معادلاً لانصرافهما غير المفهوم عن ممارسة الجنس، لتواطؤهما المشترك بعد خمس سنوات من الزواج. لكن ذلك لم يعن أن ألعاب الليل انعدمت تماماً. في الأسبوع الماضي فقط أمسكت ذكره بشكل مفاجئ تحت طاولة الطعام بينما كان الجميع منهمك في فتح لفافات السمك المشوي والجمبري في جلسة عائلية ببيت أخيه الأكبر. أثاره الأمر حتى أنه لم يبقى لليل ليشاهد مباراة ليفربول وبورتو متعللاً بشغل تذكر أنه لابد له من إنهائه. أوقفه أخيه متعجباً.

_طب والماتش يابني؟
_صلاح حيعملها
_دا فورمته خرا.
_معلش حتشوف.
_طب وإدير ميليتاو؟
_مين دا؟
_مدافع بورتو اللي رايح الريال السنة جاية
_مش عارف إدير ميليتاو حيعمل إيه بس حنكسب أربعة واحد

فرض ليفربول سيطرته في الملعب أما في المنزل فكانت السيطرة لها. لبست له بايبي دول مثير اشترته أثناء سفرتها الأخيرة لدبي كما بدا له وأشعلت شموع في أنحاء متعددة من غرفة النوم ولفت له سيجارة ماريوانا شرباها سوياً في الفراش قبل أن يشرعا في المضاجعة. كانت تظهر في حياتهما الجنسية ليلة كهذه بين الحين والآخر، وإن كان، بشكل عام، عدد مرات ممارستهما الجنس أسبوعياً قد انخفض عن أعوامٍ ماضية. لم يعن ذلك أنه فقد رغبته فيها حتماً وبالمقابل لم يشك في رغبتها فيه. في ذهنه كان يفسر اللعبة بوصفها مرحلة جديدة من علاقتهما يمتلكا فيها قدراً من النضج يسمح لهما بممارسة تلك الألعاب بأريحية ودون قفش.

كان يعلم أن أمامها يوم أو اثنين قبل أن تنتهي الدورة وكان السيناريو واضح؛ ستخبره أن الدورة مستمرة وسيبدي أسفه الشديد وسيدلي بتعليق عن استطالة الدورة مؤخراً، سيقترب منها ويقبلها، ثم سيشاهدون بعد ذلك حلقة من أحد مسلسلات نتفليكس حديثة الإنتاج التي يبدأونها متحمسين ويقلعون عن مشاهدتها في منتصفها بعد أن تتضح لهم الخطوط السردية المستهلكة المختبئة وراء الحوارات المعقدة وتصميم الإنتاج الزاهي، سيتسحر بعدها وسيذهبون إلى الفراش بعد الفجر. لكنها وطأت السيناريوات القديمة جميعها.

_وهو إحنا بطلنا ننيك والدورة شغالة؟ دا من إمتى؟

كانت محقة. لم يكن يسأل فيما سبق عن الدورة. كان إذا حضرته الرغبة قاربها دون تدقيق. لكنه أقلع عن الأمر منذ فترة، لا يتذكر المرة الأخيرة التي قاربها فيها وهو عالم أنها في أيام دورتها. كان الأمر يعجبها فيما مضى، كانت تنظر له وهو متحمس لمواقعتها على الرغم من الدم المنهمر وتفكر بأنه لا سبب أدعى لذلك من الحب. لم تبد من قبل أنها لاحظت توقفه عن ذلك المسلك. وبسبب ذلك لم يفكر من قبل في دلالة الأمر. فسره لنفسه ببساطة أن ذوقه تغير وحتى هي تفهم معنى أن يتغير مزاج المرء. لكن ما كسر سلامه النفسي في هذه اللحظة لم يكن أنها عبرت عن استياءها بعبارة صريحة، هو المخطئ بلا شك بإثارة الأمر من الأساس، ولكن كونها لم تلق بالاً لقواعد اللعبة. لم يكن هناك دلال خاص محيط بإجاباتها، لا إحالة للمستقبل، لا كلمات طيبة أو اعتذارية، لا شيء من ذلك. لو كان له أن يحدد نبرة صوتها في تلك اللحظة فربما كان ليخمن محقاً أنها مرارة مكبوتة أو إحباط من ذلك الذي تقابله به حينما تتبين أنه لم يكن يستمع حقاً إلى ما أهلكت أنفاسها في سرده على مدار دقائق عشرة بعد عودتها من العمل.

لا مجال لممارسة اللعبة اليوم إذاً، سيتحتم عليه أن يواقعها قبل أن يذهب إلى النوم إن رغب في تفادي توابع أفدح لعبارته الطائشة. لاطفها بالحديث لكنها لم تبدو مستعدة لاستقبال ملاطفته. ذكرها بأنها عبرت عن رغبتها في أن تتحمم من بضع ساعات حينما عادت إلى المنزل. قرب فمه من أذنها وهمس "ححصلك." ثم غمزها في جنبها. لم يكن متأكداً من الانطباع الذي تركه في نفسها لكنها استجابت غير متذمرة وإن كان بلا ترحيب كبير أيضاً.

بعد مغادرتها الغرفة نظر في ساعة الحائط. مازال أمامه ساعتين لينجز المهمة قبل موعد أذان الفجر. لا بأس، سيكفي الوقت حتماً للمضاجعة فالسحور. قرر أن يلف لنفسه سيجارة صغيرة من الحشائش الخضراء لأن تجاربه الأخيرة مع تأثيرها على أداءه في الفراش كانت مشجعة. كان يرغب في أن يكون كل شيء سليم وفي مكانه الصحيح. دخن سيجارته بسرعة ولما لم يكن أكل منذ أفطر قبل ست ساعات فقد بدأت دماغه في الطفو مع النفس الثالث. أنعشه الأمر، خلع ملابسه واتجه إلى غرفة نومهما.

وهو في طريقه إلى الغرفة كانت خارجة من الحمام. وجدته يمشي متأرجحاً وهو عارٍ وضحكت. قربت إصبعيها السبابة والإبهام من فمها كأنها تمسك بسيجارة وهمية وأطلقت صوت صافرة كأنما لتسأله إن كان قد شرب سيجارة من المخدر القوي. أجاب "أيوة" وهو يحاول كتم ضحكته. ابتسمت وجذبته ناحيتها. قبلت وجهه ثم دفعت به باتجاه سريرهما عبر باب الغرفة المفتوح وأغلقته ورائها. اسقطت المنشفة عن جسدها الرطب واقتربت.

استلقى على الفراش تماماً. للحظة بدا له أنه سيسقط في النوم للنوم لكنه سرعان ما شعر بالإثارة مع اقتراب وجهها من وجهه. التفت إليها وقبلها، وضع حلمة أذنها في فمه وداعبها بلسانه، كانت إشارة تم إقرارها بينهما دون اتفاق سابق على كونه يرغب في أن تمسك بقضيبه في اللحظة. بصقت في كفها المفتوحة ثم مدت ذراعها باتجاه ذكره وأمسكته في يدها. من هذه النقطة فصاعد الأمر بسيط، سينتظر لوهلة حتى يصبح يكتمل انتصاب قضيبه ثم سيعتليها أو سيسحبها فوقه لتعتليه. لكنه بعد فترة أدرك أن المسألة قد تستغرق بعض الوقت. لم يكن متأكداً إن كان قد تأخر في الانتصاب أم أن الشعور بأن الأمر احتاج وقتاً أكثر من اللازم نابع بالأساس من اختلال شعوره بالزمن بسبب المخدر. لم تتأخر إجابتها عندما بصقت في يدها الأخرى قبل أن تتجه بها إلى ذكره. لم تكفي المرة الأولى إذاً، هممم، لابد وأنه تأخر بالفعل.

استجمع ذاته وسعى في نفض الأمر عن ذهنه. عدل من وضع جسده ليستطيع الإمساك بمؤخرتها وبيده الأخرى تحسس صدرها. بدأ قضيبه أخيراً في النهوض. لم ينتظر حتى تمام انتصابه، نهض فوقها. وضع قضيبه بين أشفار فرجها ودفع جسده إلى الأمام. بدأ ينتظم في الحركة فوقها. صفى ذهنه وشعر بجسده كما يجب: بثقله وخفته. شعر بقضيبه يخترقها جيئة وذهاباً. شعر بالعرق يتكثف على جبهته وظهره ويدغدغه هبوطاً. كان حاضراَ في اللحظة بشدة، لا أجزاء غير واعيه من عقله، كل تركيزه منحصر فيما هو عليه الآن، كتلة من أعصاب مكشوفة. فتح عينيه ليرى كيف يبدو وجهها في اللحظة ففوجئ بعينيها تحدقان في عينيه. أزعجه الأمر، أفقده توازنه تماماً. كأنما وعيه مجموعة من قطط الشارع التفت حول بقايا لفة كباب على جانب رصيف هبطت بينهم قدم ثقيلة لمار سخيف فجأه. كيف تراه يا ترى، كيف ترى وجهه؟ هل تعتقد أن الأوجه التي يتقمصها وجهه في أوقات المواقعة سخيفة؟ مضحكة؟ لم يعد بإمكانه العودة للحظة السابقة. ندم على فضوله. شعر بقضيبه يرتخي بداخله وبيدها تهبط لتساعده على الدخول مرة أخرى، انزاح من فوقها وهبط ليستلقي بجوارها.

التفتت إليه، كانت عيناها تلمعان وثغرها باسم. حدق في وجهها، هل تشبه إمرأته حقاً؟ كان يعلم -بحكم طول عهده بمشاهدة الأفلام- أثر الإضاءة على وجه الشخص، كيف تبدله دون أن يحرك عضلة. أوقد النور الخافت القابع في رأس السرير، ونظر في وجهها ملياً. هل يحبها حقاً؟ هل يعرفها حق المعرفة؟ وضع يده على صدرها كانما يستجلي ما به، أخافه ما بذهنه من أفكار. اقترب منها ولف ذراعيه حولها. وضع أنفه في شعرها وشم الرائحة المميزة للزيت الذي تستخدمه. تحسست يده مؤخرتها، تروقه استدارتها، صفعها برفق، أصدرت آهة مصطنعة أثارته. عاد فعادتها. شعر بقضيبه يتصلب، جذبها لتصعد فوقه.

أغمض عينه هذه المرة تاركاً لها العنان. سيترك نفسه لها بالكامل. لن يبذل مجهوداً سوى تحريك ردفيه ليصل بقضيبه إلى أبعد نقطة داخلها. شعر بنشوته تقترب قبل أن يصعد الصوت من البناية المقابلة.

_إطلع يابن دين الكلب خلص مذاكرتك بدل ما أكلم أبوك ييجي يطين عيشتك وعيشة اللي جابتك.

تذكر شجاره مع أمه في الصباح، كانت تحاول اقناعه بأن يحادث أبيه بمناسبة عيد ميلاده. مرت تسعة أشهر منذ شجارهما الأخير. لم يعود أحدهما لمحادثة الآخر. ورث عنه صلابة الرأس والقلق المستمر بشأن المال. أخبرها أن تخرج نفسها من الأمر وأن تكتفي بما لديها من هموم. حدثته عن مخاطر عقوق الوالدين. صرخ فيها على الهاتف "يعني أنا ابن عاق، ماشي يا ستي شكراً، يلعن أبو اليوم اللي شوفتيني فيه، ارتحت؟" قبل أن يدرك أن انفلات أعصابه دليل حي على كونه عاق. أغلق الهاتف بعدها متعللاً بجرس الباب الذي لم يرن من الأصل وذهب ليصنع لنفسه بيض مقلي.

هل يكون أبيه مريض ولذلك تلح أمه عليه أن يحادثه؟ لا مستحيل، ماذا سيفعل لو اكتشف مرض أبيه؟ على الأرجح سيذهب إليه. لم يحدث بينهما أصلاً ما يستدعي الشجار لكنه لا يفوت فرصة للتقليل منه دون أن يغتنمها. ضاق حقاً بهذه المعاملة، متى سيدرك أبيه أنه لم يعد طفلاً؟ منذ أيام قابله الكابتن حسين، صديق أبيه منذ الطفولة ومدرب كرة القدم في مركز شباب العزبة، على المقهى. كان ينتظر أن تعود أمه من العمل ليأخذ منها وصولات الإيجار التي يحتاجها لتجديد بطاقته الشخصية. أخذ يحذره من الندم الذي سيجتاحه إن مات أبوه وهما متخاصمان. "حتشوف، حتقول ولا يوم من أيامك يا حاج" قال حسين. أبيه لم يحج أصلاً. يؤمن بالله نعم، لكنه يؤمن أيضاً أنه سيغفر له في ظل أن أسعار الحج تضاعفت خمسة أضعاف في بضعة سنوات.

أفاق من خواطره ليجد زوجته بجواره مرة أخرى تعبث بقضيبه النائم. صعد منها صوت ضحكة لم تستمر طويلاً. خشى أن تدلي بتعليق ساخر فسارع إلى تقبيلها. بدا له أن مخرجه الوحيد لن يكون سوى أن يبلغها نشوتها. ستنهض راضية ولن تبالي كثيراً بفشله البادي في مواقعتها. مد أصابعه باتجاه بظرها ودلكه برفق فيما امسك بحلمة ثديها الأيسر بسبابته وابهامه ومضى يحكي.

_لما فوقنا كنا على جزيرة، الطيارة وقعت وكل اللي فيها ماتوا، إحنا بس اللي فضلنا. كنت عايز أنام معاك بس تقلت شوية، كنت عايزك تيجيلي تقوليلي أنا بتاعتك. وبعدين شوفتك بتستحمي، بتاعي وقف، جيت وقفتلك عالشط وقلتلك تعالي. قولتيلي مش عايزاك. قولتلك كس أم الكلام دا، أنا عايز أنيكك حالاً. طلعت من المية، شوفت جسمك كامل. قربت ومسكت بتاعي وشديتيني وراك. أخدتيني بين الشجر وقلتيلي عايزة زبك في كسي. حالاً. قولتلك أوامرك. حطيته بالراحة. صوتت جامد، قعدت تصوتي.. هوب الأموات صحيوا من صويتك، هوب قلب فيلم زومبي وأكلونا.

صعد صوت ضحكها استجابة للتغير المفاجئ في الأحداث. "أموات يا معرص؟!" لكمته في كتفه. شعر في لكمتها بغيظ حقيقي، كانت تعلم أنه أكسل الآن من أن يتابع خط أفكاره بدقة. لم يستطع المضي في السرد لذلك غطى على كسله بإطلاق دعابة كان يعلم أنها ستضحكها. هذا هو مهربه الأخير، المزاح. قامر على أن تروقها دعابته ونجحت مقامرته، إلى حدٍ ما على الأقل. لكنه شعر بمزاج داكن يحتل فراغ الغرفة. انقلبت على جانبها الأيمن ناظرة باتجاه الباب ثم قال ما كان يخشى تحديداً سماعه "انت ما بقيتش تحبني."

لم يكن قادر على التهنين في هذه اللحظة، لكنه حاول احتوائها قدر استطاعته. اقترب منها واحتضنها. قبلها في كتفها ثم همس "بحبك نيك بس مسطول فشخ." لم تعجبها إجابته. نهضت ونظرت إليه "لا انت مش بتحبني زي ما كنت بتحب فتيات الكاميكازي بتوعك، علا وهند والعالم دي."

لعن اليوم الذي أخبرها فيه عن فتيات الكاميكازي. كان مصطلحاً سرياً اخترعه بمشاركة من أحمد فؤاد. في واحد من تلك الأيام المتشابهة في ذاكرته من سنوات ما بين تخرجه وزواجه عاد أحمد فؤاد من سيناء بلفة بانجو محترمة ودعاه إليها. قابله في اليوم التالي مصادفة ثم ذهبا إلى منزله ليلعبا مباراة سريعة من الفيفا. في المنزل -وبعد سيجارتين- حكى له أحمد عن تطورات علاقته بدنيا. تبين له فيما يحكيه أحمد نمط مألوف. لاحظ أن دنيا تشبه صاحبتيه السابقتين فيما يشبه هو -في مرحلة سنية سابقة- أحمد، ذات الإنجذاب للمأساة والآمال الحمقاء في إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه. بسبب البانجو نشأ رابط في ذهنه بين هاته الفتيات وبين الطيارين اليابانيين الانتحاريين في الحرب العالمية الثانية؛ الكاميكازي. بشرٌ يندفعون بمآسيهم تجاه العالم ليحترقوا ويحرقوا من تقذفه الأقدار في طريقهم. حدد مع فؤاد قائمة بالخصائص المشتركة بينهن، وأصبحت لعبة حفلات يمارسونها فيما بعد تطبيقاً على الحاضرات.

_ماشي أنا معاك إن علا كاميكازي، بس هند مكانتش كاميكازي خالص
_ليه يا خويا ماهي علاقتها معقدة بأهلها!
_تمام، بس دي خاصية إضافية مش أساسية.
_أمال إيه الخاصية الأساسية؟
_إنها تكون بتكره نفسها.
_يا ترى بتشوف إني مليش طعم وتافهة بالمقارنة بيهم عشان هم دراميين وكدا وأنا عادي بحب أمي وبقوم الصبح بدري

تبين نبرتها، يعرف جيداً هذه الفقرة. ترغب في أن يسمعها ما تحب عن نفسها. كان مستعداً لكن خياله لما يكن حاضراً بما يكفي. تأنى قليلاً في الإجابة لكن صمته دفع تبرمها إلى أقصاه تركت الغرفة واتجهت إلى الحمام، اعتدل في الفراش ورفع صوته.

_إيه الكلام العبيط دا والنبي.
_يعني مش بتحطني في خانة سهير الشامي في حياتنا؟

في الخريف الماضي عاد محمود الساعاتي من دبي بفتاة مصرية تعرف عليها هناك. مسؤولة تسويق في شركة إنتاج تشارك في فاعليات مهرجان سينمائي ما جمعته بها جلسة ضمن مجموعة من الأصدقاء المشتركين قبل أن يرسل لها طلب صداقة على فيسبوك ويتحادثا على مدار اليوم التالي. بعدها أخذها للعشاء مرتين وبدا أن الامور تطور باتجاه شيء ما. كان محمود متحمساً للأمر حتى أنه سارع بدعوتهما للقاءها بعد أسبوع من عودته رفقتها. سهير الشامي كان اسمها. بدت الفتاة لطيفة ومهذبة، لديها مداخلات لا بأس بها في بعض النقاشات وذوقها العام فيما يخص مظهرها منضبط، لا يمكن وصفه بالتزمت على الإطلاق لكنه لا يوحي بارتياح كبير. على مدار الشهور التالية نمت علاقة محمود وسهير ولكن ظلت سهير مصدراً للسخرية الخفية بوصفها -على حد قول أم محمود- "شبه الريال الماسح".

_إيه؟ إيه خانة سهير الشامي دي؟ ليه ححط سهير في خانة أصلاً؟
_ما تستعبطش انت فاهم قصدي، خانة بقى البت المتربية المظبوطة المملة اللي ما بتحركش أي فضول جوا الواحد إنه يستكشف أعماقها كدا أو جوانبها الخفية.
_روحي، معلش ثانية واحدة بس، مين قال إنك متربية؟

ضحكت بصوت عالي، عادت متهادية من الحمام واستلقت بجواره قبل أن تدفعه في كتفه وتنظر له وتضحك من جديد. "انت جربوع" قالت. ضحك واحتضنها. يشعر بالرضا حينما يضحكها. في صغره كان يصبو لأن يكون عادل إمام. عادل إمام بشخصه وبذاته. كان يشاهده خفية بعيداً عن عين أبيه الذي كان يتحسس بدوره من جرأة عادل إمام وتمرده الدائم على كل أوجه السلطة. لكن أبوه لم يكن يفهم حقاً ما أعجبه في عادل إمام. كان يراقب قدرته على الإضحاك ويفكر أن تلك هي السلطة الحقيقية. لذلك يحبك الناس، كل شيء مغفور إن كنت خفيف الظل. حاول مراراً، نجح مرات وفشل أكثر. لكنه توقف عن المحاولة منذ أن أضحكها. شعر أنه سمع الضحكة التي لطالما رغب في سماعها. شعر أنه عادل إمام شخص ما لأول مرة في حياته.

_هي المية فين؟
_إنتَ مش لسة عايز تصوم بكرة؟!
_هو ادن؟
_آه من بدري، إحنا أصلاً قومنا قبل معاد الفجر بتلت ساعة
_إزاي؟ أنا بصيت في الساعة كانت 2
_ساعة الصالة مأخرة وقلتلك هاتلها بطاريات وانت راجع امبارح والنهاردة.

عادت له الذكرى ببطء وتصاعد ضيقه من نفسه. لا شك وأن ذاكرته الضعيفة أصلاً قد ازدادت ضعفاً منذ زاد من جرعة تدخينه للماريوانا. لكنها حتماً تخفف عن أكتافه ضغوط عمله. مديره غبي وزملاؤه كسالى وغير محترفين ولا أحد يبالي بشيء، كل شيء مؤجل ولا داعي للقرارات السريعة ولا مساحة إلا للارتجال المحض يومياً لتجاوز ساعات العمل دون مكاسب طبعاً ولكن أيضاً دون خسائر ملموسة. لن يصوم غداً إذاّ.

_طب ما خلاص كدا أنا كدا كدا فطران.
_لا يابني مانت ماجبتهمش
_آه بس حصل حوار
_لا ما بتتحسبش غير لو جبتهم
_يعني التقاء الأعضاء التناسلية مش بيفطر
_مش حاسة، مش متأكدة
_طب يبقى أفطر احتياطي بقى
_قصدك تصوم احتياطي
_لأ أفطر احتياطي إني لو فطرت خلاص ما أكملش اليوم جعان.

شعر أنه أقرب إلى النوم. هل يكفي أن يصلح نيته الآن ليصوم غداً؟ سيكون اليوم الخامس الذي يفطر فيه ولما يبلغوا العشر الأواخر. قبضته تنفك من على جمر العادات القديمة. حياته فوضى لا تستقيم إلا بأن يبدأها من جديد في مكان آخر. كادت موجة أخرى من موجات المخدر تطيح به في دوامة جديدة من الأفكار. نفض عن ذهنه الأفكار ومد يده باتجاه زجاجة المياه. سيفطر وسيدبر أموالاً فيما بعد ليفطر ستين مسكيناً وليسامحه الله على أية حال. الحشائش الخضراء تترك الحلق جافا ولا يظن أنه سيتمكن من المضي عبر يومه بهذا النوع من العطش. كانت زوجته قد انقلبت على جانبها وأمسكت بهاتفها وأخذت في التصفح. هم بالنهوض ليلبس بيجامته أوقفته بصوت قلق وقد أزاحت هاتفها جيداً.

_بقولك إيه، هو انت ما بتحبنيش عشان أنا غلباوية وبجادل كتير؟
_لا أنا بحبك جداً
_بتحبني رغم إني غلباوية وبجادل كتير ولا مش بتشوف أساساً إني غلباوية وبجادل كتير؟
_لا يا روحي مانا لو مش شايف إنك غلباوية وبتجادلي كتير أبقى أعمى.
_يعني إنتَ بتحبني؟
_جداً
_مع إن اللي بيحب حد ما بيشوفش عيوبه؟
_مين المتخلف اللي قال كدا؟
_مش عارفة لو في حد قالها بس سمعتها كتير

حار في الرد، يصيبه العطل في النقاشات التي تتناول ماهية الحب. لا يشغل نفسه بالأمر، بمراقبة مشاعره وميوله، يبقي رأسه منخفضاً ويمارس ما اعتاده. ما هو الحب؟ لا يهم. المهم أنه هنا، إلى جوارها. الآن. سيستيقظ غداً ويمضي إلى المطبخ ليصنع كوبين من القهوة ويعود ليقبلها موقظاً إياها، هكذا اعتادا على مواجهة النهار. النهار، النهار. الحب هو النهار. ردد العبارة لنفسه وقد راقته، لابد أن صوته ارتفع لأنها التفتت إليه.

_بتحبني يعني؟
_بحبك جداً آه
_إحلف
_وحياة أمي
_إيه اللي جاب سيرة أمك دلوقت؟
_وحياتك

طبع قبلةً على شفتيها، استسلمت ضاحكة، صعد إلى أذنها، إلى جبهتها، هبط إلى مؤخرة عنقها، إلى ظهرها، بين عظمتي اللوح، بين نهديها، على حلمتي نهديها، عند منبت عنقها، عند مفصل كتفها، على ذراعها، على ساعدها، على باطن يدها وظاهره. على بطنها، أدخل لسانه في سرتها، ابتسمت وأزاحته. وضع لسانه على بظرها، تنهدت، أمسكت برأسه وألصقته ببظرها، حرك لسانه جيئة وذهاباً، رآها تمسك بثدييها وتعبث بهما. ضغط لسانه أكثر، تعالى صوت أنفاسها، شعر بأفخاذها ترتجف علم أنه يقترب، سرع من حركة لسانه، انفلت صوتها عالياً، استمر في تحريك لسانه حتى بلغت نشوتها. صعد ليستلقي جوارها.

_أنا حاسس إن الدورة خلصت.
_إيه؟
_بقولك حاسس الدورة خلصت.
_طب ماهي خلصت.

ضحكت مشاغبةً، تطلع في وجهها. لم يكن الجو في الغرفة حاراً لكنها كانت متعرقة لسبب ما، أزاحت الشعيرات الملتصقة بجبهتها والتفتت له باسمة.

_ما تيجي مرة كمان.

أغمض عينيه. الحشائش الخضراء مازالت تطوف برأسه. التفت لها ونظر ملياً في وجهها. يراها جيداً بالرغم من النور الخافت في الغرفة، يراها كما لم يرها من قبل. امتلأ صدره راحة بوجودها إلى جواره. هنا والآن. شعر بذكره ينهض مستثاراً. أخذها بين ذراعيه وشرع في مواقعتها من جديد.



Muhammad El-Hajj (b. 1986) is a Cairo-based writer, editor, and translator. He is the author of the feature film Villa 69 (2013) and the TV series An-Nazwa (2022). His published literary works include two short story collections: Nobody Mourns the City’s Cats (2018) and On Masculinity: 2 Stories and a Coloring Book for Adult Males (2022). El-Hajj is the recipient of several awards and grants, including the Al-Mawred Literary Grant (2016), the AFAC Literary Grant (2019), and the Sawiris Foundation Award for Best Short Stories Collection (2019). His writings have appeared in various outlets, such as ArabLitCatapult, the International Journal for Middle East Studies, and Mada Masr.

Yasmine Zohdi is a writer and translator based in Cairo, Egypt. She holds an MFA in writing (fiction) from Sarah Lawrence College. Zohdi’s work has appeared in Words Without Borders, Asymptote, Bidoun, ArabLit, Mada Masr, and The Republic, among others. She is currently working on her first novel. Find her on Twitter (X) @YasmineZohdi and on Instagram @yasmine_zohdi.

FROM Volume 75, Number 1